في الوقت الذي استقطبت الدورة الأولى لبينالي الفنون الإسلامية بمعارضه الفنية الداخلية، ونوادر المقتنيات الأثرية، والمخطوطات المهتمين والباحثين، بدا لافتاً حضور مختلف الأعراق الإنسانية الذين جاؤوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع تظاهرة فنية تعد الأولى من نوعها عالمياً في رحاب صالة الحجاج الغربية في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة.

ففي أرجاء تلك الصالة الفسيحة حيث ينعقد البينالي تحت شعار “أول بيت”، أو حتى تحت قبابها العملاقة، يمكنك أن تلحظ على مرمى البصر كثافة قدوم الزوار الأوروبيين، والأمريكيين، والآسيويين، الذين حضروا في دعوة مفتوحة للتأمل سواء كانوا صحافيين، أو باحثين، أو سياحا قدموا عبر استخراج التأشيرة السياحية، بجانب المقيمين في البلاد منهم، ليعيشوا تجربة فريدة تثري وعيهم بالشعائر الإسلامية، وتمنحهم فرصة استكشاف أعمال الفنانين، والانضمام إلى حوارات ملهمة ضمن بيئة إبداعية لافتة.

فيما تعد هذه التظاهرة الفنية فرصة لتصحيح التصورات عن الدين والحضارة الإسلامية، وتخلق حالة انصهار إنساني لافت مع ذلك الآخر وقبول الاختلاف، إذ تمنح الزائر غير المسلم تلك المخطوطات التراثية، والنسخ القديمة من القرآن، ومجسمات الحرمين الشريفين، بقيّمها المعنوية شيء من التبصر في الهويّة والإرث الفكري والإنساني والديني للمسلمين، والتعرف على شعائرهم، واحترامها.

في جناح مكة المكرمة الذي يبرز الأهمية التاريخية والدينية لهذه المدينة التي يولي المسلمون وجوههم شطرها في صلواتهم الخمس، كان يقف ديفيد الذي ترجح سماته الإنسانية أنه ينحدر من إحدى الدول الأوروبية، بمقربة من المخطوطات القرآنية، ممعناً النظر في تفاصيلها، سألناه عن رأيه تجاه تجربة زيارته لبينالي الفنون الإسلامية، أجاب: لم أنه جولتي بعد، غير أن ما يسعني قوله هو أن هذا الحدث مذهل وجميل.

وفي الجناح ذاته، الذي يعرض القطع التاريخية النادرة للكعبة المشرفة والمسجد الحرام، كان يتأمل وليام جونسون، المهتم في الفنون الإسلامية، مجسم باب الكعبة، وبعدئذ استدار بقامته الطويلة، قائلاً: إني معجب حقاً بما رأيته، فأنا أحب التزامن، ويبهرني وضع عدد صغير نسبيًا من الأعمال الفنية القديمة والجديدة بجوار بعضهما في كل مساحة، حتى تتفاعل بشكل جيد.

وأردف الباحث البريطاني بأن بينالي الفنون الإسلامية توصل إلى أعمال فنية فائقة الجودة حقاً، حسب وصفه، معرباً عن سروره بحضور هذا الحدث الأول من نوعه.

وفي جنبات إحدى القاعات توقفت دانيلا راسل، سائحة أمريكية لتخبرنا عن تجربتها، وتقول: عشت في السعودية فترة من العمر، وتغمرني السعادة لعودتي مجدداً بعدما حصلت على التأشيرة السياحية من أجل حضور بينالي “أول بيت”.

تضيف السائحة التي أفادت بأنها قضت جزءا من حياتها أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، أن المقارنة بين الفن الإسلامي التقليدي والخط مع التركيبات الحديثة هو مفهوم رائع حقاً، إذ يجعلنا نرى كيف تدفقت المفاهيم التي تكمن وراء الدين الإسلامي عبر القرون، وتفسّر كثيراً أركان الإسلام الخمسة.

ولفتت التجربة الفنية المعاصرة التي تسلط الضوء بشكل لافت على مختلف أشكال الفنون الإسلامية، الزوار غير المسلمين، إذ استوقفتهم المخطوطات القرآنية، والأعمال الفنية مثل الوضوء والحج والصلاة، ففي كل جنبات تلك الصالة الكبيرة التي تضم مباني ضخمة، ستجد هؤلاء القادمين من بلدانهم لكي يتعرفوا عن كثب على جماليات التراث الإسلامي، وخلق تصور متكامل للجوانب التاريخية والمعاصرة عن الحضارة الإسلامية.

تتحدث لنا سارة بلاك، مسؤولة تنظيم، وتقول إنني أشعر بسعادة وشرف كبيرين لكوني جزءا من هذا الحدث، فأنا نشأت في السعودية، وعشت فيها سنوات طفولتي، وأعود إليها مجدداً لتنظيم البينالي، لكنني حرصت اليوم على الحضور بصفتي زائرة.

وباعتبار سارة أحد مسؤولي تنظيم البينالي، سألناها عن الأعمال المفضّلة التي شاهدتها وبخاصة أنها استطاعت الوقوف على تفاصيلها كافة قبل ظهورها للناس، قالت بإعجاب لافت: إن الفنانين الذين صاغوا هذه الروائع الفنية حقاً قاموا بعمل لا يصدق، كما أنه لا يوجد كثير من المعارض بمستوى وجودة بينالي الفنون الإسلامية.

أما ريتشارد، مدير متحف فيكتوريا وألبرت في بريطانيا فإن تفاصيل جناحي مكة والمدنية بما تحتويه من مقتنيات أثرية، ونوادر المخطوطات، استطاعت أن تلفت انتباهه بشدة، فيما وصفهما بالرائعة، إذ يقول إنها تظهر الثقافة الإسلامية الحقيقية. وفق “أخبار 24”.

فيما يأتي بينالي الفنون الإسلامية في قسمين مترابطين أحدهما داخلي والآخر خارجي، يقدمان حواراً متناغماً بين المواقع المقدسة وطقوس العبادات التي تلهم الفنانين لتصويرها وترجمتها، وتوثيق انعكاساتها على وجدان الفرد والجماعة، ويُقام البينالي على مساحة تزيد على 118 ألف متر مربع، في رحلة تُجدّد الأحاسيس والذكريات عبر صالات العرض الأربع ومعرض المدار وجناحين، إذ يحتفظ الموقع بأهمية خاصّة تتمثّل في كونه مُنطلق رحلة العمر لملايين المسلمين من كل أنحاء العالم؛ ليحثهم على استحضار تاريخ وثقافة وتراث المكان في رحلة تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.