لكل زيجة قاعدة، ولكل قاعدة طريقة تحتل الصدارة من حيث الاعتدال أو الغرابة، وللمكيين طريقة خاصة فيما يتعلق بالمقبلات على الزواج، يطلق عليها «المسكة»، إذ لا يحق للعروس الخروج من منزلها حين يقترب موعد زفافها حتى لو سبق ذلك بشهرين، بحكم التقليد العائلي المتأصل منذ عهد الأجداد، في حين تتحايل بعض الفتيات على تلك الطريقة باختزال مدة المسكة التي قد تصل لليلة واحدة.
والمسكة بحسب ما ذكرت صحيفة مكة تنظيم مدبر، وخلطة تقليدية معجونة بالطرب الشعبي الأصيل والأهازيج النسوية، عرفت في الثقافة المكية وفي بعض المناطق وتسمى أيضا اللزمة، وتعد إحدى أهم الليالي التي تسبق ليلة الزفاف بأسبوعين أو شهر وربما ثلاثة أشهر، ويتم خلالها إجبار العروس على ملازمة المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، حتى لا يراها أحد سوى أفراد أسرتها، وإن زارتها إحدى صديقاتها فلا تخرج لها دون نقابها وشرشفها المطرز المحاك بدقة والذي يغطيها من رأسها حتى أخمص قدميها، وإن حدث وخالفت العروس تلك القوانين فسيطالها العقاب من والدتها بتضييق الخناق عليها وحرمانها من أمور ترغب بفعلها، وقد يصل أحيانا لمنعها من مهاتفة عريسها أو صديقاتها.
ولأن لكل عادة أو عرف حكمة، فإن شيخة الصاعدي 53 عاما تؤكد أن أبرز أعمدة المسكة اثنان؛ عدم رؤية العروس عريسها، وعدم خروجها من المنزل، إذ تقضي تلك الفترة قبل ليلة الدخلة بالاستعداد لاستقبال حياتها الزوجية بروح جديدة أكثر حيوية، والعناية ببشرتها وشعرها ورشاقتها، فتمتنع عن كل ما يضرها من مواد غذائية ومستحضرات تجميلية، كما تبتعد عن السهر وشرب القهوة والشاي بكثرة، بينما تكتفي بشرب العصائر الطازجة والماء.
وأضافت الصاعدي «تستمر المسكة لدينا سبع ليال متتالية، وفي الليلة السابعة تزف العروس، أما في الليالي الثلاث الأولى فتشتعل الزيارات وتقام الولائم في منزل عائلة العروس، كما تصدح أصوات الطبول والغناء وترانيم الصديقات فرحة بالعش الذهبي الذي سيحتضن صديقتهن، وتخصص الليلة الرابعة لتجميل العروس بالحناء وتطييبها، بينما تتعلق الليلة الخامسة بزيارة أهل الزوج وفيها تخرج العروس بكامل زينتها، وتليها الليلة السادسة التي يتم فيها توديعها من قبل قريباتها وجاراتها، وفي الليلة السابعة والأخيرة تبقى العروس مع أسرتها ولا يراها أحد منذ الصباح وحتى موعد زفافها».
ووصفت بدرية موسى (أم لابنين وست بنات)، مسكة العروس بأنها فترة تهب العروس إطلالة مطعمة بالجمال وقواما محلى بالصبا، وتلك الفترة قد تسبق الزفاف بشهر أو شهرين، وهي لازمة للفتاة المقبلة على الزواج، ولا يسمح لها بكسر قواعدها أو التذمر منها، وبعد انتهاء المسكة، تبدأ مراسم الغمرة، وهي ليلة الحناء التي تعد فيها وليمة العشاء وتجتمع عائلتا العروس وزوجها، إضافة إلى قريباتها وصديقاتها ليشاركنها الحناء، وتخرج ضاربة خمارها على وجهها ولا يتبين منها سوى عينيها.
وأضافت بدرية موسى التي تستعد لتزويج إحدى بناتها، جرت العادة أن يتم إمساك العروس دون علمها من قبل جدتها أو أمها أو عمتها أو خالتها بطريقة مفاجئة، وذلك بوضع شرشف محاك بدقة وعناية يخصص لها وحدها يغطيها من رأسها حتى كامل جسدها، مشيرة إلى أنه ليس بالضرورة أن يخفى موعد المسكة عن العروس، ويمكن إخبارها بموعدها.
وتقول: أخبرت ابنتي بموعد مسكتها، ووددت أن تكون مسكتها أكثر غرابة وعصرية، ولم أتوان للحظة عن جعلها تشعر بقيمة جمالها، وضرورة التزامها بالعرف كقريناتها اللاتي سبقنها إلى عش الزوجية، ودعونا كل معارفنا وزوجها لمشاركتها هذا اليوم وتوديعها قبل ثلاثة أشهر من زفافها وإطلالتها الأخيرة.
ومع أن بعض الأسر السعودية تنظر إلى المسكة كأحد أهم وأشهر مظاهر الزواج، إلا أن هناك من لا يعترف بوجودها ويعدها أمرا شاذا لا أساس له في تقاليد الزواج، ورغم أن بعض الأمهات لا يجدن ضرورة لإقامة ليلة المسكة إلا أن بناتهن المقبلات على الزواج يرحبن بها ويفضلن انتظارها حتى وإن تأخر قدومها.
وأشارت أمل الشمراني التي تنتظر زفافها قريبا، إلى أنها متحمسة وتنتظر موعد لزمتها بفارغ الصبر، حيث تكمن حلاوتها في أن الفتاة تظل تترقبها، وما إن تلحظ تجمعا نسويا بمنزل أسرتها حتى تظن بأنه اليوم الموعود لمسكتها، بيد أنه عند تجاهلها الأمر، تتم مباغتتها بموعدها مهما كان حذرها نحو تلك المفاجأة.
وأضافت أمل «تظل اللزمة طقسا وموروثا رئيسا مهما له نكهة فريدة ومذاق خاص، وتترقبه العروس وتحرص على ألا يفوتها شيء قبل زفافها، حيث ستصبح تلك الأمور بعد زمن ذكرى ترويها لأبنائها».
بينما رأت الفتاة رضية، التي تعمل في مجال الإعلام، أن حبس العروس بمنزلها ومنعها من الخروج ظلم، واصفة إياه بالاحتكار، إذ ليس من المعقول أن تحبس العروس عن الخروج لرؤية صديقاتها أو حتى قضاء حاجاتها والترفيه عن نفسها، مشيرة إلى أنها موظفة وتضطر للخروج يوميا من المنزل، مخالفة القوانين الصارمة التي تقتضيها المسكة.