لم يصدق الدبلوماسي مذكر القحطاني أن ما يراه بأم عينيه من مشاهد التخريب والتدمير في مبنى السفارة السعودية في طهران يأتي بأيادي من يدعون أنهم مسلمون، بعدما تخلوا عن أي أخلاق وأعراف أو مواثيق وقعت عليها بلادهم.
وبينما تنفس القحطاني وأسرته المكونة من زوجة وطفلتين (شيماء – 5 سنوات وغلاء – 4 سنوات) الصعداء مساء أمس الأول وهم يجدون أنفسهم في مسقط رأسهم بأبها، بعد وصولهم من طهران، استعاد تفاصيل اليوم المشؤوم الذي تابع فيه من شرفة منزله القريب من السفارة السعودية في طهران كيف يقفز الإيرانيون ليدمروا ويحرقوا ويخربوا كل ما يجدونه أمامهم.
«شعرنا بالخوف الحقيقي، لأنهم مجموعة كبيرة يبدو أنهم مدربون على التعامل مع فنون القتال، وليسوا متظاهرين اعتياديين، وما ضاعف خوفنا قرب منزلنا من السفارة، إذ رأينا ألسنة اللهب والدخان المتصاعد، والصرخات، ولا نعرف ما مصيرنا»، لكن القحطاني الذي بادر بإجراء اتصالات مع رفاقه لتلقي التعليمات التي يجب تطبيقها في حالات الأزمات والطوارئ، تأسف لأنه لا يستطيع فعل أي شيء يوقف هذا العبث، مضيفا: «للأسف ليس بأيدينا شيء نفعله، فهم في بلادهم يخربون وينهبون، ونحن قلة مسالمة جئنا للعمل السياسي والقنصلي لا نعرف الأعمال الهمجية والتخريبية، والإرهابية، التي تنفذ على مسمع ومرأى من رجال الأمن الإيرانيين المسلحين، الذين كان يمكنهم إذا أرادوا حماية السفارة، إلا أنهم تركوهم، ما يعني أن العمل مدبر من فريقين، الأول يخرب والثاني يحمي المخربين».
وبحسب صحيفة عكاظ اضطر القحطاني مع توالي المشاهد المؤسفة لقبول الأمر الواقع، «استنكرت بداية أن يأتي هذا التصرف من مسلمين، لكنني تذكرت أن الإيرانيين يشوهون أبجديات الدين، ويتنكرون لأي تعاليم ولا يعرفون القيم، عندها أيقنت أننا نعيش في بلاد لا تعرف أي أخلاق، ولا تنصاع إلا لرغبات هوجاء، شعارها القتل والتخريب، حتى ولو ضد المسالمين ممن أتوا إلى بلادهم وفق اتفاقيات حماية دولية».
بدأ الدبلوماسي اتصالاته مع رفاقه، حيث جاءتهم التعليمات بالبقاء في منازلهم حفاظا على حياتهم، لأنه «بات لا يعرف أحد ماذا تريد هذه الميليشيات؟»، لكن المعاناة النفسية التي عايشها تمثلت في «كثرة الاتصالات التي كانت تأتينا من المملكة، وكنا نريد طمأنتهم على صحتنا، بالرغم من توالي الأحداث ضغطنا على أنفسنا حتى لا يشعر أهلنا في مركز العرين شرقي عسير أو أصدقاؤنا بأي قلق علينا، رغم أننا كنا في حيرة من أمرنا كيف سيكون وضعنا، خاصة مع زيادة حدة
المظاهرات، وغياب أي ردع من الجهات الرسمية لهم».
كان يقلق الجميع وجود أربعة من الزملاء السعوديين داخل السفارة، حتى جاءت المكالمات تؤكد أنهم خرجوا بفضل من الله سالمين، قبل اقتحام المتظاهرين للمبنى.
وبعد وصول أمر المغادرة، تم الاتفاق على التحرك جماعات لمطار طهران للسفر إلى دبي، فلم يهتم أحد إلا بالأغراض الهامة، وكان القلق من المعاملة في المطار، «وبالفعل حاولوا عرقلتنا من السفر، لولا تدخل سفارة الإمارات هناك في تسهيل أمور إركابنا عبر طيران الإمارات وصولا إلى دبي، وهو موقف الشجاعة والبطولة من الأشقاء الإماراتيين، الذين ساندونا وأكملوا الضيافة بخير ترحاب فور وصولنا إلى دبي، فقدموا لنا الورود والتهنئة بسلامة الوصول، فأزالت ابتسامتهم عناء عبء الساعات الثقيلة التي عشناها، إذ لم نذق طعم النوم، وامتد القلق لأبنائنا، الذين عرفوا بالواقعة، رغم أننا حاولنا التماسك أمامهم».
وصل القحطاني إلى مطار أبها مساء أمس الأول، ليجد في استقباله خاله ونسيبه، قبل أن ينتقل معهما لرؤية والديه وأسرته في مركز العرين، ليحمد الله كثيرا على النجاة من طهران.
أما الطفلتان شيماء وغلاء فرفعتا أياديهما بعلامة النصر، واكتفيتا بالقول «الحمد لله.. نحب بلادنا والملك سلمان».