للوهلة الأولى يبدو من حُسن الخط المكتوب بحبر أزرق، وكأن هذه الكراسة دفتر مدرسي. وحين تضغط بقوّة لتقلب الصفحات التي التصق بعضها ببعض جراء التراب والماء، يبدو واضحاً أن هذا الدفتر يخص أحد متشددي «القاعدة». ويتناول الدفتر الذي تم إلقاؤه في أحراش الجنوب اليمني الجبلية، كل شيء من مبادئ شن الغارة «المفاجأة، قوة السلاح، روح التضحية، الأداء الخاطف» حتى الهدف النهائي: «تأسيس دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية».
ويعتبر هذا الدفتر مخلفات ما سمّاه إداري يمني محلي معسكراً قيادياً لتنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب». وتم زيارة المعسكر المهجور حالياً في أيار (مايو).
ووصف سكان محليون كيفية تحملهم مئات المقاتلين على مدى ثلاثة أعوام. وفي نيسان (أبريل) الماضي وبعد أن أطلق المتشددون مقطعاً مرئياً يتباهون فيه بوجودهم، هاجمت الطائرات الأميركية بلا طيار والجيش اليمني المعسكرات في تلك المنطقة. وقال الأهالي إنهم في تلك اللحظة طلبوا من المقاتلين المغادرة. وتُظهِر قصة هذا المعسكر كيف تغلّغل مقاتلو «القاعدة» في مناطق الجنوب اليمني القصية المعدمة.
وقال الزعيم القبلي الشيخ ناصر الشامي في المحفد: «لم نتبيّن أنهم كانوا بذلك العدد الكبير إلا في الليلة التي غادروا فيها. في تلك الليلة الأخيرة حين انسحبوا رأينا كل أولئك الأشخاص بعائلاتهم. أكثر من 60 أو 70 سيارة».
وخلال الأيام التي أعقبت مغادرتهم المحفد، سطا مسلحو «القاعدة» على مصارف محافظة حضرموت التي تبعد نحو 480 كيلومتراً من المحفد، ما يدل على أنهم يستطيعون التنقل من دون عقبات. ولقي ما لا يقل عن 27 شخصاً مصرعهم في ذلك الهجوم، الذي كان واحداً من اعتداءات عدة في أرجاء البلاد، وبينها هجوم استهدف القصر الرئاسي خلال الشهرين الماضيين. وفق “رويترز”.
وكان فرعا «القاعدة» – السعودي واليمني – اندمجا مطلع العام 2009 لتكوين تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب». ويعتمد التنظيم في تمويله جزئياً على عمليات الاختطاف، إذ تسلّم فديات مالية تقدر بـ 20 مليون دولار، خلال الفترة من العام 2011 وحتى 2013، بحسب السلطات البريطانية.
كان مقاتلو «القاعدة» الذين يتميزون بالشعر الطويل وإطلاق اللحى، يأتون إلى البلدة لشراء مؤنهم الأساسية، وتجنيد الصبيان. وقال أهالي البلدة إن غالبية المقاتلين سعوديون ويمنيون، لكن اليمنيين وحدهم ممن تقيم عائلاتهم في المحفد هم الذين كانوا يغامرون بدخول البلدة. ومما تركه المقاتلون كميات كبيرة من التمر والعملة السعودية، وهو ما اعتبره إداري حكومي يمني شاهداً على الصلات القوية بين فرعي «القاعدة» السعودي واليمني. كيف لا وصانع متفجرات «القاعدة» هو السعودي إبراهيم عسيري.