قصة غريق
دخل علي في المحاضرة متأخراً ومضطرباً آسف على التأخير قالها بارتباك وهــو ينتظر مني الإذن له بالدخول أشرت له بيدي فدخل وجلس مع زملائه ، وما إن انتهت المحاضرة حتى جاء إلي واقترب مني وقال : ممكن تحضرني لو سمحت آذتني رائحة الدخان المنبعثة من فمه لم أظهر له استيائي ولكن طلبت منه أن يأتي معي إلى مكتبي لما جلس بادرته : هل تدخن ؟ اضطرب قليلاً خفض رأســه إلى الأرض وقال بصراحة : نعـم ، ابتسمت .. وشكرته على صراحته ووضوحه فانقشعت بعض سحب الإحراج التي كانت متراكمة على وجهه ، سألته بعد ذلك :هل تـشعر أن تدخينك مشكلة بالنسبة لك ؟ أم إنها عادة رضيت بها واقتنعت ؟ تجهم.. وزم شفتيه وهو ينظر إلي كالملهوف : لا والله مشكلة ومشكلة كبيرة بعد يا مهندس.. هكذا قال وقد امتـلأت حروفه بالحسرة والألم .. وازدادت ابتسامتي وأنا أقول : أحسنـت ... إن أول خطوة في معالجة المشكلة هي الشعور بالمشكلة .. قاطعني بإدب : تصدق يا مهنـدس .. أنا من عائلة مافيهم أحد يدخن ، ولكن بعد إن تركت الديرة وجئـت للدراسة هنا في الرياض تعرّ فت على ( شلـة ) كان أول ثمرة لهم إني بدأت مشواري مع الدخان .. لا أحب إن أذهب للأهل هناك لأنهم قطعاً سيشمون رائحـــة الدخـان وسأسقط من عيون كل أقاربي فقاطعتهم إلا من مرات خاطفة ثم أعود للرياض .. أمي صارت تتصل علي باستمرار وربما لم تستطع إن تكتم عبرتها في التلفون وهي تقول : ليش ياوليدي ماعاد صرت تجلس عندنا فأعتذر لها بالدراسة والامتحـانات... وقد أُسمعها كلاماً جافاً إذا أكثرت علي ، فتدعو الله لي بالهداية وأن يقيني الله كل شر وقد بـدا واضحاً إنها لم تقتنع من كلامي ولكن ( ماباليـد حيلـة ) كما يقال .. أبي قلق .. إخواني يتساءلون وأنا لا أمـل من ( التصريفات ) !
هل هي تستحق منك كل هذا ؟؟ .. سألته بحزم قال : من هي ؟ قلت : السيجـــارة التي ضحيت بأهلك .. بأمك .. بسمعتك .. بصحتك .. من أجلها ، ماذا قدمت لك لكي تبذل لها كل هذا ؟؟ .. ثم ألا ترى أنها تضعفك عن الصلة بربك ؟! هل تناجي ربك في الصلاة : سبحان ربي الأعلي وأنت بهذه الرائحـة الكريهة ؟!! كأنما أوقضته من حلم مزعـج ، أو أضات له شعلة صغيرة صارت يرى بها النور ويعرف بها أين هو سألني بلهفة : طيب وش الحـل ؟؟ قلت : إن تنوي بصدق وحزم من هذه اللحظة ومن هذا المكتب أن تجعل رضا الله نصب عينيك وأن يكون لديك استعداد تام أن تضحي بأي شيء مهما كان غالٍ لديك في سبيل تحقيق هذا الهدف ، رد علـي : ولكن أخشى أن اندفـع معك الآن وأعاهد الله على ذلك ولكن ما إن أجلــس مع أصحابي حتى أضعف من جـديـد ! قلت : ألم تنو الآن أن تجعل رضا الله هدفك الأول ولا تحيد عنه ؟ قال: بلى ، قلت : لا تجلس معهم إذا كنت تتوقع أن يصدوك عن بلوغ هذا الهدـف .. هذا أول اختبار لك على صدق نيـتك .. فكـر قليلاً ، ثم قال حسناً أسأل الله إن يعنيني .. أعطيته تحويـلاً إلى عيـادة مكافحة التدخين ، أخـــذه بحمــاسة وودعنـي شاكراً . في محاضرة الأسبوع القادم رأيته متهللاً ، يرسل إلي الابتسامـة تلو الأخرى وكأنه يستعجل الدقائق لتنتهي المحاضرة .. قابلني بعدها بوجه آخر غير الذي كان في الأسبوع الماضي ، فوجهه اليوم بدا متهللاً مشرقاً تعلوه ابتــسامة صافيـة رافقني إلى المكتب وراح يشكرني بحرارة ، ويحكي لي كيف أعانه الله بعد معاناة بسيطة ثم أخـذ ، يصـف لي كيف انه انطلق إلى أهله نهـايه الأسبوع ، ومنذ أكثـر من سنـة لأول مرة يبيت عنـدهم .. فرحو بـه وفرح بهم .. حدثني بلهفة وعيناه تنطق بالفرح والانتصار: رأيت في عيني أمي دمـوع الفرح .. وكانت لحظة لا تساويها عندي الملايين .. صرت أكثر محافظة على الصلاة ، وفي راحة نفسية لا استطيع وصفها .. تخلصت من كابوس عنيف طالما أتعبني وأرهقني .. لم أكن أتوقع أن أتخلص منه بهذه السهولة .. ولكن صدقت يا أستاذي : من جعل رضا الله نصب عينيه هان عليه كل ما سواه
[B][ALIGN=CENTER][COLOR=red] م/ عادل بن عبدالعزيز المبرد
المرشد التربوي بالكلية التقنية بالرياض[/COLOR][/ALIGN][/B]
التعليقات 15
15 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
25/03/2009 في 8:23 ص[3] رابط التعليق
شكرا مهندس عادل على الفكرة والمحتى الهدف النبيل .
التدخين سلوك مشين لايقبله الانسان المتزن السوي الا في حالة عدم اتزانه عند تواجده مع رفقاء السوء .
مهندس عادل
مع الاسف هناك تموينات الواقعة على طريق الساقي تقوم ببيع الدخان وهذا اليوم تحديدا كلمت الهندي البائع هل تبيع الدخان فسكت وابتسامة ممزوجة بالمجهول بدأت على محياه وقلت له انكم تنشورن هذا الامر عند الصبية في هذا الحي وبطبيعة الحال لم يقول شيء.
وسبق لي ان كلمت صاحب التموينات وهو من منسوبي تعليم البنات فرد علي بردي غير مقبول مثل : امنعوا صبيانكم من الشراء وقال انها مؤجرة ، والتدخين قد سمحت به الحكومة.
فالله المستعان والهادي الى سواء السبيل.
(0)