ظل كتاب (القانون في الطب) لإبن سينا المرجع الطبي الرئيسي في العالم إلى القرن السابع عشر الميلادي ، وقد كانت تركة ابن سينا للعالم عبارة عن مئتي كتاب في الفلسفة والطب .
وألف أبو القاسم الزهراوي كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) من ثلاثين مقال كل مقالة في فرع من فروع الطب ، وتوجد في الكتاب 200 أداة طبية مرسومة أغلبها من إختراع الزهراوي ، وبعضها يستخدم إلى يومنا هذا .
كما عكف ابن النفيس (مكتشف الدورة الدموية الصغرى) على كتابة موسوعته الكبرى سنوات طويلة جعلها تحت مسمى : (الشامل في الصناعة الطبية) ، وقَدّر أن كون مسوداتها في ثلاث مئة مجلد ، فبيّض ابن النفيس منها ثمانين مجلدا فقط ، ثم توفاه الله وقد بلغ من العمر ثمانين عاما كانت حافلة بالإنجازات العلمية وقد ورّث للعالم كنزا طبيا ثمينا .
ويعد ابن الجزار القيرواني أول طبيب عربي يكتب في طب الأطفال والمسنين ، وكان الطلاب يتوافدون إليه في القيروان من الأندلس أيام أمجادها ومن كل مكان لينهلوا من علمه .
أسماء لامعة وإنجازات عظيمة في علم الطب والصيدلة ، استطاعت في عهد الدولة العباسية أن تأخذ ألقاب آباء العلوم .
ويُرجع المؤرخون ذلك إلى الإهتمام الكبير الذي أولَتْه الدولة العباسية بترجمة الكتب العلمية قبل دخول مضمار تلك العلوم المعقدة ، كما يعود المؤرخون إلى أن حركة الترجمة بدأت في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور ، حيث أمر بترجمة الكثير من الكتب من الفارسية واليونانية والإغريقية إلى العربية ، حتى أصبحت الترجمة مهنة يزاولها الكثير من الناس ، وأصبح لها عارفون ومختصون اشتهروا وعرفوا في ذلك الوقت ، وبتلك الطريقة (الذكية) استطاعت الدولة العباسية أن تستحق حينها لقب بلد الإستشفاء الأول في العالم .
كل ذلك بفضل الترجمة والقراءة ونشر التعليم وفتح المشافي واستحداث التعليم التطبيقي للراغبين في التعلم ، وهذا هو المنهج العلمي السليم في العلوم بشكل عام والعلوم التطبيقية الحديثة بشكل خاص .
وسبب اختياري للطب مثالا على تطور التعليم لأن الطب أكثر العلوم صعوبة وتعقيدا ، وما سواه أهون تكلفة .
إن صناعة البيئة التعليمية المناسبة للمجتمعات يُمكنّها من الحركة في ميادين التطور والتقدم في شتى المجالات ، لذلك يجب علينا أن نكيّف التعليم بما يناسب مجتمعنا ، لا أن نغير المجتمع لأجل أن نتعلم بطريقة معيّنة .
وقد اطلعت على تاريخ الدولة العباسية فوجدت أنهم لم يحتاجوا في بدايتهم إلى إرسال البعثات للتعلم من الخارج ، ولكنهم استحدثوا التعليم الذي يحفظ مجتمعهم ويجعلهم يبدأون من حيث انتهى الآخر .
وخروجا من الدولة العباسية ، قرأت في مذكرات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في باب الإبتعاث -وأنقله بتصرف- : أن الدولة أخطأت خطأ فادحا بإرسال البعثات إلى الخارج بشكل كبير ، خاصة لأبناء الذوات والمسؤولين في الدولة ، فيعودون مشبعين بالثقافة الغربية المنحلة ، ويريدون انفتاحا على الغرب بكل ما أوتوا من قوة ، كما صاروا فيما بعد -كما يصفهم- معاول هدم للقيم الإسلامية التي تربّوا عليها وأدوات كسر للعادات والتقاليد الشريفة ، مما أدى إلى الضعف في الدولة .
ويقترح السلطان عبد الحميد أن ترسل الدولة (النخبة) من الطلاب لأخذ العلم من هناك ، ثم ينقلونه إلى بلادهم من خلال التدريس والتأليف والتطبيق .
وللأسف أن كل ذلك الذي تمناه ذلك السلطان المتميز لم يتحقق في بلاده ولا في بلاد المسلمين بعده ، وهذا ما يجعلني أتحسر على خط سير التعليم في البلاد الذي يتطور بشكل كبير في الكم ، ويخسر بشكل واسع في الكيف .
وهذه هي أعراض الهشاشة التي تصيب التعليم ، التعليم الذي يعتبر سبيل الأمم والمجتمعات للتطور الرقي ، كما ضربنا مثالا على ذلك في الدولة العباسية .
ويعزّيني ابن خلدون مؤسس علم الإجتماع في مقدمته في الباب الخامس والثلاثين عندما يقول : المغلوب مولع في في تقليد الغالب في لبسه ونحله وكل شأنه ، وفي ذلك يقول \"إن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه ، إما لنظرة بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه ، أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي ، إنما هو لكمال الغالب\" .
ورأيت بعض هذا في قرار تعليم اللغة الإنجليزية من الصف الرابع الإبتدائي ! وأتحسس من ذلك القرار وغيره من المواقف الأخرى أننا بتنا نخجل من لغتنا وتميزنا ونستحيي منها .
ومن الطرف الآخر فقد أثبتت التجربة السورية نجاحها وتفوقها في تعليم الطب باللغة العربية ، وقد اطّلعت على دراسة قام بها بعض الباحثين على مجموعة كبيرة من طلاب الطب في العالم العربي ، وكانت النتائج تبين تفوق الطلاب السوريين على غيرهم في القراءة والإستيعاب والتواصل ، فياليت قومي يعلمون .
خلاصة الكلام أنه لا يمكن لأمة أن تبني مجدها وتضع بصمتها في التاريخ بأيدي أعدائها ، اللغة هي وقود تقدّم المجتمعات في شتى العلوم ، ومن خلال التجربة فلا أحَبَّ للطالب من أن يتعلم بلغته الأم ، الطالب المبتعث كالطعم في الخيط فلا نرميه في البحر كي يأكله السمك ولكن لكي يأتي لنا بالسمك فلنحذر !، لسنا بحاجة لأن نخطئ لنستفيد من أخطائنا إذا كان هناك من سبقنا إلى الخطأ .
وحسبي من هذا كله حديث النبي عليه الصلاة والسلام :\"لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ \"
[ALIGN=CENTER]إبراهيم بن محمد العوين[/ALIGN]
(أ)
التعليقات 5
5 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
11/01/2012 في 4:36 م[3] رابط التعليق
احسنت،،
موضوع ذو عمق .. يدل على سعة مداركك رغم صغر سنك..
وفقك الله
(0)
(0)
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
12/01/2012 في 1:58 م[3] رابط التعليق
مقال اكثر من رائع
(0)
(0)
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
14/01/2012 في 8:35 ص[3] رابط التعليق
1. طرح جيد تضمن سرد لأحداث ومآثر تاريخية ، فلا ريب أن التغنى بها لا يسمن ولايغني من جوع ، بل من الأجدر المضي قدماً في تطوير تلك العلوم بكافة أشكالها واختلاف مشاربها.
2. تعلم اللغات الأجنبية لتكون وسيلة تواصل لغوي لا يتعارض مع الاعتداد بالذات ولا الهوية العربية ولا ينتقص من مقدارها قيد أنملة ، بل هو فرصة لنقل تلك العلوم التي تدرس بلغة أجنبية إلى اللغة العربية وزيادة مفرداتها وفق المزاج النحوي والصرفي للغة العربية.
3. الاعتراف بتقدم أهل اللغة الإنجليزية في الغرب في مجال العلوم الطبيعية والطب وفي عالم الماديات هو مفتاح لشحذ الهمم ومحاولة استيراد تلك العلوم والانتفاع بها مادامت تتوافق مع تعاليم الدين الحنيف وتقاليد المجتمع المسلم .
4. التجربة السورية في تعليم الطب كانت نابعة من مبدأ (القومية العربية) التي ينادي بها رموز القومية في سوريا والعراق، وليس من باب إمكانية الاستغناء عن اللغة الأنجليزية ، فلك أن ترى أن هناك عدد غير قليل من الأطباء السوريين يجيدون اللغة الروسية لأنهم درسوا الطب هناك ، فالمسالة (سياسية) بحتة .
5. ألا يعلم الأخ الكريم أن أغلب الأطباء السوريين يعانون من صعوبة في التواصل مع الأطباء في المناسبات الدولية التي تعقد فيها المؤتمرات والندوات والورش الطبية بلغات أجنبية لأنهم لايجيدون سوى اللغة العربية ، وحينما يسافر طبيب سوري لأكمال دراست في أوروبا أو أمريكا فإنه يعمد إلى دراسة أساسيات اللغة الإنجليزية كي يستطيع تعلم ما يمكن تعلمه من علوم ومعارف طبية !
6. تعليم لغة أجنبية بجانب اللغة الأم للأطفال من الأمور التي تنمي إدراك الطفل وقدراته اللغوية وتتفتح مداركه الاجتماعية وأثبتت الدراسات في علم اللغة الاجتماعي Sociolinguistics أن ذلك لايؤثر على لغته الأم Mother Tongue
هذا وبالله التوفيق
(0)
(0)
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
15/01/2012 في 5:30 م[3] رابط التعليق
مبدع اخي أبراهيم على هذه الموضوع المتميز وفقك الله
(0)
(0)
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/kharjhom/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
25/01/2012 في 11:36 م[3] رابط التعليق
ابراهيم مقال في الصميم
صراحه كل نقطه تحمل معاني كثيره …
مقال مشبع بالمعلومات في كل فقره …
ليس كباقي المقالات يزاد فيها الكلام لزيادة عدد اسطرها..
لاتتوقف عن الكتابه.
وهذا المقال بدايه ممتازة مع مرتبة الشرف
اعجبني تواضعك. بذكر اسمك فقط
مع انك طالب في كلية الهندسة ولم تذكر ذلك
حفظك الله زميلي ابراهيم من كل مكروه
اقتباس:
((((وسبب اختياري للطب مثالا على تطور التعليم لأن الطب أكثر العلوم صعوبة وتعقيدا ، وما سواه أهون تكلفة .
إن صناعة البيئة التعليمية المناسبة للمجتمعات يُمكنّها من الحركة في ميادين التطور والتقدم في شتى المجالات ، لذلك يجب علينا أن نكيّف التعليم بما يناسب مجتمعنا ، لا أن نغير المجتمع لأجل أن نتعلم بطريقة معيّنة . ))))). كلام كبير
(0)
(0)