[CENTER][B]
[COLOR=#B31818]إبراهيم محمد العمري
25 / 1 / 1436هـ[/COLOR]
هل سبق وأن مررت على حقل مليء بالورود المتشابهة ذات اللون الواحد ولنتفرض الأصفر .. هل ستعجبك ؟؟ وتأنس عيناك وتطرب نفسك لرؤيتها ؟؟ بالتأكيد نعم , ومن منا لايحب ملامح الجمال في هذا الكون الجميل !؟ حسنا .. وأنت تنظر إلى هذا الحقل الجميل .. هل ستشدك وردة بعينها أم أنها جميعا متساوية لديك ؟؟ مادام أنها متشابهة اللون والشكل فلن يتسلل بصرك لإحداهن بكل تأكيد .. ولكن ماذا لو كان هناك وردة حمراء ذي شكل بديع في وسط الحقل .. ألن تشدك وتبهرك باختلاف لونها وشكلها عن بقية أخواتها ؟؟؟ بالتأكيد نــعم !!! كذلك هو " الإنسان المختلف " عن " العامة " و الفـريد " في زمن " التكرار " و " المميز " عن " المتشابه " .
منذ خلق الله البشر بدءاً من آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وملايين البشر يولدون ويسيرون في هذه الأرض يأكلون ويشربون ويتقلبون في شتى النعم , وتمضي عليهم السنون وتمر بهم الأعوام وتسير بهم الأيام وينتقلون من مرحلة إلى أخرى ومن حال إلى حال ومن شأن إلى آخر حتى ينتهي بهم المطاف إلى أرذل العمر وخط النهاية ومشهد الختام ويغادرون الدنيا وكأنهم لم يكونوا فيها .. وقد أبدع أبو تمام حين قال :
[CENTER]ثـم انقـــضت تلك السنــون وأهلها فــكأنهـا وكــأنهــم أحـــلام[/CENTER]
الغالب ينتهي ذكرهم بمجرد مايقال : توفي فلان ,هذا إن كان لهم ذكر وهم أحياء أصلا!! والبعض وهم القلة تــوهب لهم حياة أخرى لاتقل وهجاً وضياءً وذكراً عن حياتهم الدنيوية , ويعيشون بين الناس وكأنهم أحياء وتمضي أخبارهم تحكي عنهم بعد وفاتهم وتسير قصصهم على ألسنة الخلق ويفوح شذى سيـرهم في مجالس الناس , ولايزالون يذكرون بكل خير ويثنى عليهم في كل حين , وكأن الشاعر يصور لنا هذا قائلا :
[CENTER]مـات قوم ومـا ماتت مكــارهم ومـــات قوم وهــم بين الناس أحــياء[/CENTER]
ولكـن ماهي الصفة الفارقة بين الفريقين ؟؟ ولماذا يكون البعض أعلام في مجالهم ورؤس في أوطانهم ورموز في مجتمعاتهم ؟؟ ملهمين للتطوير محفزين للإبداع , نجوم يهتدى بها , وقدوات تحتذى أفعالها ؟؟
إنها تلك ( الهــمة ) العالية التي قادت أصحابها إلى المعالي ونأت بهم عن السفاسف وحلقت بهم عاليا إلى قمم التقدم وصورت لهم أن الراحة لاتنال بالراحة وأن النعيم لايدرك بالنعيم وأن خير الدنيا والآخرة لاينال بكسل الجسد وفتور العقل وخواء الذهن , وأن من أراد أن يتبوء المراكز العالية والمناصب السامية والأماكن الشريفة فلابد له من الكد والتعب والطلب والمسير والصبر على ذلك , فبقدر ماتبذل تآخذ , وبقدر ماتتعب ترتاح , وبقدر ماتنصب ترتفع , ومن استثمر وقته في بناء نفسه لبنة لبنة لابد أن يأتي عليه يوم يرى نفسه قد علت وارتفعت وسمت وتحقق لها ما أرادت ونالت مامن أجله بذلت وسعت .
قبل مايقارب الأسبوع وأنا أتصفح إحدى الصحف اليومية لفت انتباهي هذا الخبر العجيب , الذي تتعجب من همة صاحبه وسعيه للعلم والتطوير :
( مسن سعودي تجاوزعمره 100 عام يتعلم اللغة الإنجليزية )
تقول تفاصيل الخبر : (يواظب مواطن سعودي تجاوز عمره الـ100 عام بمحافظة القنفذة على الحضور إلى مدارس النهضة بعاجة الابتدائية الليلية بالمحافظة لتعلم اللغة الإنجليزية , لم تمكن الظروف الصعبة التي كانت تعيشها أسرة المواطن المُسن محمد عبدالله المرعوي، من الحصول على التعليم، وبعد أن سنحت له الفرصة بدأ في تعلم القراءة والكتابة والحساب، ثم اتجه لتعلم اللغة الإنجليزية )
ما رأيكم في هذا الخبر ؟؟
لو كان شابا يفيض حيوية ونشاطا فإنك ستعجب به ولكنك لن تستغرب وتآخذك الدهشة ولن تقف عند الخبر طويلا , لإن المطلوب والمتوقع من الشاب في سنه هذا أن يسعى للعلم والتعلم وتطوير نفسه وقدراته , ولكن أن تقرأ هذا الخـبر عن مسن تجاوز عمره الــ 100 عام ويبادر إلى الذهاب إلى المدرسة كل مساء لتعلم لـغة قد لاتفيده كثيرا في مثل سنه وعمره , وقد يصح أن يقال أن دراسة اللغة الإنجليزية في شأنه من " ترف العلم " فهنا هو مكمن العجب !!!
إنها " هــمة " لاتعرف حدود الوقت ولاظروف العمر ولاعوائق الطريق ولا أعذار الزمن ولا وهن الجســد ولا اشتعال الرأس شيبا ولا انحناء الظهر ولانظرة المجتمع ولا مصاعب الحياة , فراحة اللحظة يعقبها تعب الحياة وأنس القعود يتبعه حسرة للعمر , ونصب العلم خير ألف مرة من راحة الجهل , وكأن هذا المسن يقول لنا بملء فيه :
[CENTER]مادام القلب ينبض فلن أستريح .
مادام العقل يميز فلن أستكن .
مادام الجسد صحيح فلن أجلس .
مادام في العمر بقية فلن أقعد .
مادام في الزمن برهن فلن أكسل .
مادامت الروح متوثبة فلن أتخاذل .
مادامت النفس قوية فلن أضعف .
مادامت الجوارح رهن إشارتي فلن أفتـر [/CENTER].
إن هذا المسن " الشاب في طموحه وهمته " يريد أن يوصل لنا رسالة مفادها :
أن طريق النجاح في الحياة ليس مفروشًا بالورود والرياحين، ويحتاج إلى تعب وبذل لإدراكه، ولكن الإنسان حينما يذوق طعم النجاح تهون عليه كل لحظة تعب أمضاها في هذا الطريق ، حتى يكون ذلك التعب أشهى إلى نفسه وألذ من طعم الراحة والدعة والسكون, وهذه سنة الله تعالى, أنه لا نجاح ولا إنجاز إلا بتعب وكفاح {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ولابد دون الشهد من إبر النحل .
[CENTER]وإذا كــانت النفــوس كبــارا تعبــت في مرادها الأجسـام[/CENTER]
[/B][/CENTER]