سرت بين تلك البيوت القماشية، أجوبها بيتاً بيتاً، والحبال التي تحفظ توازنها هي نفسها التي يختل منها توازني، وتجعلني أتعثر إن لم أسير في حذر، وأنا أرخي السمع والنظر لأفهم وأتعرف للمعنى، وإذ بي أسمع أن هذا البيت الذي أمامي لمواطن وصل سن التقاعد ولكثرة عياله ومصاريفهم لم يستطع جمع المال الكافي لزمان مثل زمانه الحالي، وبجواره بيت \"طالب سابق\" اقترب من سن المعاش وهو لم يجد وظيفة مناسبة تسد عوز احتياجه لاستقرار وحياة عائلية كريمة، والبيت التالي لصغير هدده عمه بتزويج ابنة عمه وحلم طفولته لآخر إن لم يشرع بإجراءات اقترانه بها، ولغلاء العقار والتكاليف عامة سكنا هنا!، وهناك بجواره صاحب المصيبة الكبرى \"ضحية من ضحايا الأسهم والاكتتاب \" والذي ذهب ذلك الفيضان بكل ما حصده في عمره ليحقق الحياة الأفضل فعاد لنقطة الصفر، كلعبة الثعابين والسلالم، صعد صعد ووصل لرأس ثعبان خسف به أسفل سافلين، وحبال بيته تقاطعت مع حبال خيمة أرملة عفّت عن سؤال الناس، وعكفت على تربية أبنائها من ما تحصل عليه من مال زهيد بعد سهر الليالي الطويلة لتسقي كرم الضيافة \"كنادلة\" للمناسبات الكبيرة، إذ لم يجد أصحاب الشهادات وظائف تؤويهم لتحصل عليها هي التي تزوجت صغيرة، وهجرت مقاعد الدراسة لتمسي بلا شهادات معتمدة.
.. وفزعت من نومي أتعوذ من الشيطان ووساوسه، وكيف صور لي واقع الحال، وما الذي سنصل له كجواب لسؤال خالج نفسي عن كيفية عيش بوسطاء الناس ومتوسطيهم، ومن دون خط الفقر في طوفان الغلاء الفاحش هذا، والحياة المعيشية التي تزداد ضراوة وفتكاً بهم من كل الاتجاهات وبكل المقاييس، وفي أبسط المستلزمات كالغذائية مثلاً التي تضمن لهم الحياة الصحية الجيدة لا أكثر!.
لازيادة رواتب ستحل المعضل لأصحاب الرواتب الضئيلة، أو من بلا وظائف حكومة أصلاً، ولا الإعانات السنوية أو المحدودة يمكن أن تتصدى لغلاء المسكن والإيجار والطعام والكسوة والوظائف حتى!.
نريد أن نزدحم فوق الأرض لا تحتها، ونعيش ونتكاثر وننتج، ونخدم الوطن، ونحقق عمارة الأرض التي تناسلنا من آدم لأجلها.
.. لكل قطاع سلم وظيفي متسلسل يفترض بشاغليه إيجاد حلول لتوظيف أبناء البلد وإشراكهم في خيره.
.. والقطاعات الأهلية كما الحكومية نسيج من هذا الوطن، وجزء منه ولابد أن يسهم في خدمته ويساعد أبنائه.
.. التجار المسلمين حري بهم أن يتنحوا عن الظلم والعتو على المواطن، إما كرم خلق، أو بالقوة الجبرية، متذكرين ذلك القول (إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك) كي لا يجعل الله نصيبهم الخراب والدمار وقلة البركة !
لابد من حلول جذرية كي لا نعود أدراجنا ويكثر اللصوص والمتسولين، والجوع يغير نفوس المتعففين، ويتحقق حلمي ذاك مع أني نفثت عن يساري ثلاثاً، وتعوذت من شياطين الجن والأنس، وأمام القبلة سألت الله أن يديم علينا عزة هذه الأرض الطيبة ويكفيها شر كل ذي شر، ويحفظها كريمة عزيزة ويعز مواطنيها، ويحمي حكامها وولاة أمرها، ويسدد خطاهم.
آمين آمين يا رب العالمين .
[B][ALIGN=CENTER][COLOR=red]نواف العسيري
qJgJI_QJIC@ksa.com[/COLOR][/ALIGN][/B]