أن يرشح الفرد نفسه في مجلس إدارة هيئة أو منظمة أو جمعية أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدني، يعني أنه يحس بدوره وأنه يعرف ويقدر مسؤولياته تجاه مجتمعه، كما أنه يعني أيضا أن لديه شعور بتقدير المجتمع لجهوده.
إن الذين يتقدمون للترشح في عضوية الجمعيات ثلاثة أنواع: النوع الأول: ممن يريد بالفعل المشاركة بما يملكه من وقت وجهد وعلم وخبرة خدمة لمجتمعه، انطلاقا من إمكانياته ووعيه للدور والمسؤولية؛ وهذا النوع يجب أن يرحب فيه وأن تمد له يد العون والمساعدة وأن يمكن؛ النوع الثاني: ممن يريد السمعة والألقاب والوجاهة والكسب المادي أو المعنوي والترزز والهياط، وإلا فهو لا يملك لا العلم ولا الخبرة ولا التجربة الكافية لتقديم المطلوب، وهذا النوع يجب أن يمنع وأن لا يمكن، بل يجب الاعتراض على دخوله؛ النوع الثالث: ممن لديه القدرة والكفاية ومميز ومطلوبة مشاركته، ولكنه مبتعد ويرفض المشاركة بسبب شعوره بالتهميش والنسيان ، وهذا النوع يجب الوصول إليه وإقناعه واستقطابه.
في انتخابات جمعية من الجمعيات المهمة، كان يجلس بجواري أحد المرشحين للعضوية، فسألته: هل تعرف رؤية ورسالة وأهداف هذه الجمعية؟ أجاب: "لا"، فسألته: وهل تعرف ماذا تريد الجمعية من العضو المنتخب؟ فأجاب ضاحكا: "لا"، فسألته: وهل تعرف ماذا ستقدم لهذه الجمعية إذا فزت؟ فأجاب: "اللي أقدر عليه"، والسؤال: كيف لشخص كهذا يرشح نفسه لعضوية مجلس إدارة جمعية وهو لا يعرف ما له وما عليه؟! وماذا يرجى منه أن يقدم؟!
إن الوطنية والحماس والعاطفة والطيبة والعلاقات الشخصية وحدها، لا تكفي لتقديم عمل إداري يخدم المجتمع، بل العكس، وربما يكون هذا من أسباب عدم كفاية وفاعلية كثير من جمعيات مجتمعنا المدني! فهل من سبيل -والحديث موجه لإدارة العامة لإدارة الجمعيات في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية- أن يشترط على كل من يرشح نفسه لعضوية جمعيات للمجتمع المدني -وهو لا يملك المؤهل المتخصص ولا الخبرة في طبيعة العمل- أن يجتاز مقابلة شخصية، وحضور دورة تأهيلية، قبل التسجيل في قوائم الترشيح؟
قد يقول قائل: ولكن هذا الفرد متطوع، ولا يجب وضع شروط على العمل التطوعي؟، وهذا صحيح، لو كان المتقدم متطوعا في أي عمل تحتاجه مثل هذه المؤسسات، ولكن المقصود -هنا- الأفراد الذين يرشحون أنفسهم لمناصب قيادية تتطلب مؤهل واختصاص وخبرة وقدرة.
إن العمل الوطني الناتج عن الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، مطلب صاحبه يستحق الشكر والتقدير، ولكن على الإنسان أن يعرف نفسه، ويعمل في المجال الذي يناسب قدراته وإمكانياته، وفي المكان الذي يستطيع أن يقدم فيه شيئا مفيدا لمجتمعه، فالإدارة بالكفاية لا بالسمعة ولا بالجاه ولا بالمال ولا حتى بشهادة: ونعم، وبارك الله لامرئ عرف قدر نفسه .
بقلم
د. هلال العسكر